فصل: مطلب رد أبي يوسف على المعتزلي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



هذا، وليعلم أن قلوب الكفرة لا تزال متشابهة قال تعالى: {تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ} الآية 118 من البقرة في ج 3 لأن ردّ الكافرين لأنبيائهم قديما متشابه وحتى الآن وقد كانت عندي خادمة من الأرمن من الذين اضطرهم الأتراك للهجرة وصاروا يأخذون منهم طائفة طائفه إلى الجزيرة فتعدمهم وجئت يوما للدار فرأيت الخادمة تهيىء نفسها للسفر مع طائفتها، فقلت لها إن ذهبت قتلت وأنا أقدر على إبقائك عندي، فقالت لا عيش لي بعد قومي، فذهبت وقتلت معهم ولما خرجوا من مكة ووصلوا إلى خوصهم هلكوا معهم جميعا إذ ظهرت عليهم سحابات ثلاث حمراء وبيضاء وسوداء، فاختار قيل السوداء لزعمه أكثر ماء واستبشر بها وقد أخبر اللّه عنهم في الآية 24 من سورة الأحقاف في ج 2 بقوله: {هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا} فجاءهم ريح عقيم استمرت سبع ليال وثمانية أيام، فأهلكتهم جميعا وارتحل مرثد مع جملة المؤمنين صحبة نبيهم هود الى مكة وبقوا فيها إلى أن ماتوا جميعا رحمهم اللّه.
قالوا: وان كل نبي إذا منا أهلك اللّه قومه يأتي إلى مكة مع قومة المؤمنين يعبدون اللّه فيها حتى يموتوا، وقد في المقدمة أن هذه القصص لا يعتمد على صحتها لأنها من نقل الأخباريين، وانا نأخذ خلاصة ما لا مبالغة فيه وننبه القارئ ليكون على علم منه ونكفيه مؤونة تشوقه لقراءتها في تفاسير أو قصص مشحونة بما لا يعقل، وممزوجة بما لا يجوز قراءته: قال تعالى: {وَإِلى ثَمُودَ أَخاهُمْ صالِحًا} في النسب لا في الدين وهو ابن عبيد بن أسف بن ماسح بن عبيد بن جاوز بن ثمود ابن غابر بن ارم بن سام بن نوح عليه السلام {قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} على صحة رسالتي وهي {هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ} أخرجها {لَكُمْ آيَةً} على صدقي {فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ} من ضرب أو منع من شرب أو مرعى فاذا فعلتم بها شيئا من ذلك {فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ 73} لا تطيقه أجسامكم ولا يقيكم منه أحد ولا مرد له من الله: {وَاذْكُرُوا} يا قوم {إِذْ جَعَلَكُمْ} اللّه ربي الذي ادعو لعبادته {خُلَفاءَ} في الأرض {مِنْ بَعْدِ عادٍ} وقد علمتم ما حل بهم من العذاب {وَبَوَّأَكُمْ} أنزلكم {فِي الْأَرْضِ} أي أرض الحجاز لأن ثمد نسبة إلى ماء بين الشام والمدينة من أرض الحجاز وجعلها منازل لكم وملككم إياها {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُورًا} ذات غرف عالية تصيفون فيها {وَتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتًا} ناحية ذات حجر تشتون فيها، وهذا مما يدل على زيادة ترفهم ونعيمهم في الدنيا بالنسبة لوقتهم {فَاذْكُرُوا آلاءَ اللَّهِ} نعمه المترادفة عليكم طلبا لدوامها، وفيها حث من اللّه لعباده على شكر نعمه وحق لها أن تشكر لأن الشكر يزيدها كما نوهنا عنه آنفا في الآية 69 المارة فراجع ما ذكرناه هناك {وَلا تَعْثَوْا} تكثروا الفساد وتأتوا بأشده وأفظعه {فِي الْأَرْضِ} التي منحكم اللّه إياها وغيرها مما كانت في تلك الغير حالة كونكم {مُفْسِدِينَ 74} فيها فإن مطلق الإفساد يزيل النعم عنكم ويعرضكم للهلاك ولا تكفروا فان الكفر يمحقكم {قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} عن دعوة صالح الصالحة وأنفوا من إرشاده الحق {مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا}
الفقراء مالا ورجالا {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} به عليه السلام من المستضعفين وهذه الجملة جاءت بدلا من الجملة قبلها على طريق الاستفهام الإنكاري {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} استهزاء بهم لأنهم يعلمون أنهم عالمون بذلك ومعتقدون به، ولذلك لم يجيبوهم على مقتضى الظاهر، إذ لم يقولوا لهم، نعم بل {قالُوا إِنَّا بِما أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ 75} مصدقون وهذا الجواب من الأسلوب الحكيم فكأنهم قالوا لهم نعلم بإرساله.
وبما أرسل به ولا نشك بما جاء به ونخبركم انا مؤمنون به لأن الإيمان به واجب فهل تؤمنون به مثلنا فأجابوهم أيضا بمثل جوابهم بمقتضى الظاهر فبذل ان يقولوا لهم انا بما أرسل به مؤمنون {قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا} لأولئك المستضعفين {إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كافِرُونَ 76} وفائدة هذا الرد على ما قاله.
المؤمنون من جعلهم إياه معلوما ومعلما عندهم، أي أن الذي فلتموه ليس معلوما عندنا ولا مسلما، وبما أن جواب المؤمنين لم يزدهم إلا عتوا اتفقوا على مخالفة رسولهم {فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} التي هي آيته أي قطعوا عروقها وهم قد ذبحوها ذبحا وسمي النحر عقرا لأن الناحر يعقر البعير أولا ثم ينحره أي أنهم عقروها ثم ذبحوها {وَعَتَوْا} ازداد استكبارهم {عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا} به من العذاب الذي تهددنا به {إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ 77} من قبل اللّه كما تزعم فدعا ربه {فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ} خفقان القلب من أثر الزلزلة الشديدة الناشئة من الصيحة إذ جاء في 43 من سورة الذاريات في ج 2 الآية وكذلك في سورة المؤمنين الآية 41 {فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ} والصيحة الشديدة يحصل منها الخفقان من شدة الخوف لأنها خارقة للعادة كيف لا وهي من السيد جبريل عليه السلام الذي وصفه اللّه بالقوة فلا بدع أن تزلزل الأرض منها ويضطرب من عليها {فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ 78} على ركبهم ميتين وهم قعود، والجثوم للناس والطير ولبقية الحيوانات البروك {فَتَوَلَّى} صالح {عَنْهُمْ} لما رأى ما حل بهم وصار يخاطبهم آسفا على عدم ايمانهم به وهو مدبر عنهم وهذا كما فعل رسول اللّه محمد صلّى اللّه عليه وسلم مع أهل القليب، راجع الآية 8 من سورة الأنفال في ج 3.
{وَقالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي} بإرسالي من لدنه إليكم {وَنَصَحْتُ لَكُمْ} بأن تؤمنوا به وحذرتكم غليظ عذابه {وَلكِنْ لا تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ 79} بل تبغونهم وتعادونهم شأن أمثالكم الكفرة.

.مطلب قصة صالح عليه السلام:

وخلاصة القصة أن قبيلة ثمود لما ملكت الأرض بعد عاد كثروا وعمروا كثيرا فعكفوا على عبادة الأصنام، وأفسدوا في الأرض، فأرسل اللّه لهم صالحا فصار يدعوهم إلى طريقه السوي ويأمرهم بترك الإفساد فلم يقبلوا ولم يؤمن منهم الا قليل من فقرائهم، وقد كبر سنه عليه السلام وألح على قومه بترك عبادة الأوثان والإفساد فطلبوا منه آية على صدقه بأن يخرج لهم من صخرة كبيرة عند الحجر تسمى الكائية ناقة عشراء جوفاء وبراء مخرجه تشاكل البخت من الإبل، ذات السنامين ويؤمنوا به، فقبل منهم وأخد عليهم العهود والمواثيق على ذلك فصلّى ودعا ربه، وهم أخرجوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب له فأجاب اللّه دعاءه وخيّبهم وأوثانهم، وأخرج له ناقة كما طلبوا تشاكل البخت من الإبل ذات السنامين ويؤمنوا به، فقبل منهم وأخذا عليهم العهود والمواثيق على ذلك.
فصلّى ودعا ربه، وهم أخرجوا أوثانهم وسألوها أن لا يستجاب له، فأجاب اللّه دعاءه او خيبهم وأوثانهم، وأخرج له ناقة كما طلبوا تشاكل البخت من الإبل رجعلها اللّه معجزة عظيمة له وهي نفسها معجزة أيضا، لأن ثمود لهم ماء يشربون منه هم وحيواناتهم يوما وهي تشرب بقدر ما يشربون جميعا، وكانوا يحلبونها يوم شربها فيكفيهم حليبها كلهم وكانت تمنع الحيوانات عن شرب الماء في نوبتها وهذه الخصال دلت بأنها من أعظم المعجزات وأكبر الآيات فآمن به قليل من قومه وازداد الآخرون عتوا، وبما أنهم الأكثر قر رأيهم على ذبحها فذبحوها بداعي أنها تقاسمهم الماء وكأن الحليب الذي يأخذونه منها لا يكفيهم عنه قاتلهم أليس الأمر كذلك {بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ 81} متجاوزون الحلال إلى الحرام ولذلك آثرتم الدبر على الفرج، وإنما ذمهم اللّه لأن القصد من وضع الشهوة في الإنسان طلب الولد وبقاء النوع الإنساني وتكاثره لعمران الدنيا إلى أجل أراده اللّه، فإذا عدل عن هذا القصد تعطل الكون وكانت تلك الشهوة بهيميّة محضة، ولهذا خصهم اللّه بالإسراف لأنه وضع الشيء بغير محله {وَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ} تجاه تعنيفه لهم على قبح فعلهم ونصحه لهم بتركه {إِلَّا أَنْ قالُوا} بعضهم لبعض {أَخْرِجُوهُمْ} أي لوطا ومن آمن به {مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ 82} من صنيعكم ويتنزهون مما أنتم عليه.
قال ابن عباس عابوهم بما يمدح به قال تعالى: {فَأَنْجَيْناهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ} لأنها لم تؤمن به وكانت تخبر قومها بمن يأتيه من الضيفان وتحرضهم عليهم لذلك {كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ 83} الباقين مع المعذبين من قومها ولم يقل من الغابرات، لأنها هلكت مع الرجال المغلّب ذكرهم على النساء، والغبر البقاء يقال غبر في داره إذا بقي {وَأَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَرًا} عظيما مهولا لأنه مطر عذاب لا مطر رحمة، والننوين يدل على شدة فظاعته، وقلّ أن يأتي المطر بمعنى الغيث بل قد لا يوجد في القرآن إلا بمعنى العذاب، وأمطر بمعنى أرسل، ومطر بمعنى أصاب، فيكون مطر الرحمة وأمطر للعذاب {فَانْظُرْ} أيها العاقل المفكر {كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ 84} فهي شيء عظيم لا تتصوره العقول، هذا ما قصه اللّه علينا من خبر لوط عليه السلام مع قومه.

.مطلب قصة قوم لوط عليه السلام:

وقال الأخباريون كانت المؤتفكة خمس مدائن بين الشام والمدينة مخصبة ذات زروع وثمار، فآذاهم الناس بالأخذ منها فعرض لهم إبليس وقال لهم إذا فعلتم بهم كذا ودعاهم إلى نفسه فلاطوا به علّمهم لعنه اللّه هذه الفعلة الخبيثة ابتداعا من حيث لم تخطر ببالهم، فهو أول من ليط به لأنه كان يظهر لهم على صورة البشر.
امتنعوا من التعدي على ثماركم ونجوتم بها، فأطاعوه وعملوا بما أشار به عليهم فهو أول من سن هذه السنة، فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة، وصاروا كلما مرّ بهم أحد تعاونوا عليه وفعلوا به، فكان لهم ما قال اللعين، لأن الناس امتنعت حتى من المرور على قراهم لأنهم رأوا ما لم يسمعوا به من الخزي والعار، وداموا عليه حتى استحكم فيهم هذا الفعل القبيح، واستحسنوه حتى صاروا يفعلونه ببعضهم وبنسائهم أيضا، فأهلكهم اللّه بعد أن وقع منهم التعدي على لوط وضيفانه من الملائكة، كما سيأتي في تفسير الآية 77 من سورة هود في ج 2، وكيفية إهلاكهم كما قال مجاهد أن جبريل عليه السلام نزل إلى الأرض فأدخل جناحه تحت مدائن قوم لوط فاقتلعها من تحت الثرى ورفعها إلى السماء ثم قلبها فجعل أعلاها أسفلها ثم أتبعوا بما أمطروا من الحجارة.
الحكم الشرعي: الحرمة القطعية ويكفر مستحله.
قال في التتارخانية نقلا عن السراجية: اللواطة بمملوكه ومملوكته حرام، وكذا امرأته، إلا أنه لا يكفر مستحلّه، وهذا بخلاف اللواطة بالأجنبية والأجنبي فإنه يكفر مستحلّه قولا واحدا، قال الإمام الأعظم لا حدّ بوطء الدبر مطلقا وفيه التعزير ويقتل من تكرر منه على المفتى به كما في الأشباه.
وقال الإمامان: إن فعل بالأجانب حدّ كحد الزنى، وإن في عبده وأمته وزوجته بنكاح صحيح أو فاسد فلا حدّ اجماعا، كما في الكافي وغيره بل يعزّر في ذلك كله ويقتل من اعتاده، وروي عن علي كرم اللّه وجهه أنه رجم لوطيا وهو أشبه بما قص اللّه تعالى من إهلاك قوم لوط بإمطار الحجارة عليهم، وقد أخرجه البيهقي وصححه الحاكم وعليه فيكون حدّه الرجم.
هذا، وقد جاء عن النبي صلّى اللّه عليه وسلم أنه قال: «لعن اللّه سبعة من خلقه فوق سبع سموات فردد لعنته على واحد منها ثلاثا ولعن بعد كل واحدة لعنة لعنة، فقال ملعون ملعون ملعون من عمل عمل قوم لوط» الحديث.
وجاء أيضا «أربعة يصبحون في غضب اللّه ويمسون في سخطه» وعدّ منهم من يأتي الرجل-.
وزعم علي بن الوليد المعتزلي أنه لا يمتنع أن تجعل اللواطة في الجنة لزوال المفسدة، ولأنها من جملة الملاذ وليس هناك أذى أو قطع نسل ولذلك أبيح شرب الخمر فيها للذة إذ ليس هناك زوال عقل ولا عربدة، فقال له أبو يوسف القزويني الميل إلى الذكور عادة قبيحة والمحل الدبر لم يخلق للوطء، فلم تبحه شريعة ما، بخلاف الخمر فإنه خلق للشرب وأباحته بعض الشرائع قبل الإسلام، بل أوله كان مباحا، ومهما كان فلا يقاس قبح اللواط بالخمر.

.مطلب رد أبي يوسف على المعتزلي:

وانكار قبح اللواطة مكابرة، وكانت الجاهلية مع ارتكابهم كافة المفاسد تعيّر بها فيقولون فلان معفر استه بمعرض الذم، وإذا كنت يا ابن الوليد ترضى به اليوم فهل ترضى به غدا في الجنة، وذلك لأنه كان مأبونا قد ألف ذلك واعتاده والعياذ باللّه، فجرّه اعتياده إلى الجرأة على القول بأن هذه الفاحشة الخبيثة من ملاذ الجنة المطهرة من الأرجاس، قبحه اللّه وقبح فاعليها ومحبذيها.